mercredi 27 octobre 2010

إنتظار 2


فرغت الفتاة من ملء كوبي قهوة ساخنين و ضعتهما أمامه في حركة سريعة، رفعهما برفق و تقدم ببطء إلى حيث تركها، واقفة تنتظر كوب القهوة هذا الذي ظل هو ينتظره أياما طويلة...
وضع أمامها كوب القهوة وانحنى عليها هامسا..."وضعت في كأسك قطرات من ماء الزهر...أيناسبك ذلك؟"...
بدت على محياها علامات الرضا، و أومأت برأسها مبتسمة...جعلت ترتشف قهوتها...و راح هو يتأملها خفية...آه لو تدرين...
ظلا صامتين برهة، ثم سألها..."أين تركت سيارتك؟"...
و تتالت الأسئلة و الإجابات، و ارتجفت الإبتسامات، كانت لا تنفك تضحك لكل كلمة يقولها، و كان لا ينفك ينتشي مع كل ضحكة، كان يحس أن سحابة خفيفة كانت تسمو بهما شيئا فشيئا عن حدود الزمان و المكان، لم يعد يشعر إلاّ بوجودها، ولم يعد يسمع إلا خفقات ضحكتها التي تعصف بقلبه...
"ماذا تراها تحس الآن؟ أتراها تشعر بي...أتراني حركت في فؤادها حلما وليدا...أم تراني وحيدا في أحلامي، و كوب القهوة هذا الذي فيه حياتي يمر بها ككل موعد يومي مع القهوة..."
كانت هذه الأفكار تحرمه للحظات من الإستمتاع بوجودها معه...كان خائفا، كعصفور التفت ليجد باب قفصه مفتوحا...فخشي الخروج...
فرغ الكوبان، و استقل الإثنان المصعد إلى المكتب، وجلست كالعادة، وتفحصت أوراقها كالعادة، و لكنه، على غير العادة، لم يكن يسمع مما تقوله حرفا واحدا...ظل شاخصا نحوها ببصره، يومئ إليها أحيانا برأسه حين ترمقه بتلك النظرة المتطلعة...
و بعد برهة انصرفت، مبتسمة، مودعة بشيء من الحرارة غير المعهودة، تاركة وراءها رجلا أزهر قلبه أحلاما وردية البراعم، و ارتسمت على محياه ابتسامة لازمته بقية اليوم...
ولا يدري هذه المرة أيضا كيف قاد السيارة، و لا كيف قادته قدماه إلى البيت، ولا كيف اهتدى إلى فتح الباب، لا يتذكر إن كان قد أكل شيئا أم أنه تهاوى مباشرة على فراشه، لكن المغص زال تماما لتحل مكانه خفقات قلبه القوية التي يكاد لا يسمع سواها...            

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire